فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} [الكهف: 57]، وفي سورة سجدة لقمان: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: 22]، للسائل أن يسأل عن ورود آية الكهف بفاء التعقيب وآية السجدة بثم المقتضية المهلة؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن سورة الكهف مكية، والخطاب فيها من أولها إلى الآية المتكلم فيها لم يخرج إلى غير العرب، أعني أنه لم يتعرض فيها إلى إخبار بحال غيرهم، إلا ما عرفوه من قصة أهل الكهف وخبرهم، وهو من سؤالات قريش بتنبيه يهود إياهم حسبما وقع في الحديث، فقوله في الآية المذكورة: {بِآيَاتِ رَبِّهِ}، والمراد بالآيات القرآن ودلائله الواضحة، وإن كان اللفظ مقتضيًا كل ما يسمى آية إلا أن آية القرآن أعمد ما قصد هنا، ويشهد لذلك قوله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الكهف: 57]، وما تقدم الآية من قوله: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الكهف: 54] الآية من قوله: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى} [الكهف: 55]، والمراد به القرآن، قال تعالى: {هَذَا هُدًى} [الجاثية: 11]، والحجة قائمة عليهم عقب سماعهم وتدبرهم، فورد بالفاء المقتضية التعقيب على ما يجب.
وأما آية السجدة، وإن كانت السورة مكية أيضًا، فإن الآية عامة في حق العرب وغيرهم، والإخبار فيها إنما هو عن جميع من شاهد آية بينة وكذب، ودليل هذا ما تقدمة مما هو على إطلاقه في العرب وغيرهم من قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، هذا عام في المكلفين، ثم فصل حالهم فيما بعد، ثم قال معلمًا بحال الجميع على ما تورده العرب عند التعجب، ليباعد بين الأحوال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: 22]، فالمراد بهذه الآيات كل ما قامت به الدلالة ووضح منه الشاهد، كناقة صالح، عليه السلام، وانفلاق صخرة عنها، وانقلاب العصا حية، وغير ذلك من آيات موسى، عليه السلام، وبينات عيسى، عليه السلام، كإبراء الأكمة والأبرص، وإحياء الموتى، وانشقاق القمر لنبينا صلى الله عليه وسلم، ونبع الماء من بين الأصابع، وتكليم الجمادات، ونطق الحيوان إليه، وانقلاب الأعيان، وتكثير الطعام القليل، إلى آيات الكتاب العزيز المتلوة قرآنًا، إلى ما لا يحصى من آيات الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلما انطوت الآيات في قوله: {بِآيَاتِ رَبِّهِ} من التعميم بحسب الشاهد مما اقترن بها على ما لا يتوقف فيه ذو عقل إلا أن يمنعه مانع من ذلك، عظم مرتكب المعرض فعطف بثم، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: 22] استبعادًا للتوقف عن الإيمان والتصديق عند مشاهدة ما لاغبار عليه من الدلائل، ولا إشكال فيه. قال الزمخشري: {ثم} في قوله: {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} للاستعباد قال: والمعنى أن الإعراض عن مثل آيات الله في وضوحها وإنارتها وإرشادها إلى سواء السبيل والفوز العظيم بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعد في العقل، كما تقول لصاحبك وجدت مثل تلك الفرصة ثم لم تنتهزها استبعادًا لتركه الانتهاز، وقال: ومنه {ثم} في بيت الحماسة:
لا يكشف الغماء إلا ابن حرة ** يرى غمرات الموت ثم يزورها

قال استبعد أن يزور غمرات الموت بعد أن رآها واستيقنها واطلع على شدتها. انتهى. نص كلامه إلا في لفظة أسقطها لجريها فيما لا يكاد ينفك عنه في إحراز مذهبه الخبيث، فتركها وإجحاضها لا يخل بشيء من المعنى، قلت والمراد أن ما ذكرنا من الاستبعاد والاستعظام الذي تقتضيه ثم هنا قائم مقام المهلة، فلتكاثر الآيات وتنويعها مستوضحة عظمت جريمة المتوقف عنها، فأشارت ثم لذلك، فافترق القصدان، وجاء كل على ما يناسب، والله أعلم.
وجواب ثان، وهو أنه لما ذكر في آية الكهف إرسال الرسل، عليهم السلام، في قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [الكهف: 56]، فذكر إرسالهم وتكذيب قومهم إياهم، وإنما وقع تكذيب المكذبين عند دعاء الرسل إياهم معقبًا به دعاءهم، فجرى مع هذا وناسبه قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} [الكهف: 57]، لأنهم إنما أعرضوا عقب دعاء الرسل إياهم وعند جدالهم المذكور في قوله: {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [الكهف: 56]، إنما ارتكبوا الجدال جوابًا للرسل ليدحضوا الحق بباطلهم، فالتعقيب هنا بين، فورد بالفاء.
وأما آية السجدة فلم يقع فيها ذكر إرسال الرسل، ولا جرى في الآية ذكر تكذيب ولا دعاء وإن كانت آيها عامة في العرب، وإنما ورد فيها انقسام المكلفين بحسب السوابق في إشارة قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18]، ثم ذكر تعالى مآل الفريقين، وأن الفاسقين مأواهم النار، وأن حالهم فيها كما ذكر تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20]، ولا شك أن استحقاق جزائهم بذلك إنما هو تماديهم على الكفر مدى حياتهم إلى الوفاة، ولم يقع هنا إشارة إلى مباشرتهم الرسل بالتكذيب، فلما لم يكن في الكلام ذكر مباشرة الرسل والمواجهة بالتكذيب، فلما لم يكن في الكلام ذكر مباشرة الرسل والمواجهة بالتكذيب صار إعراضهم وتكذيبهم كأنه إنما علم وتحصل بذكر الجزاء، وإن كان المؤمنون قد علموا ذلك بالخبر الصادق، وأما بتأخر العلم به للمكذب حتى يباشر الجزاء، والجزاء متأخر، فناسب ذلك العطف بثم المقتضية للمهلة، فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: 22] فورد كل على ما يناسب، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}.
أرسل الرسل- عليهم السلام- تترى، وأَيَّدَهم بالحجج والبراهين، وأمرهم بالإنذار والتخويف، والتشريف في عين التكليف، وتضمين ذلك بالتحقيق، ولكن سَعِدَ قومٌ باتباعهم، وشَقِيَ آخرون بخلافهم.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}.
لا أحدَ أظلمُ مِمَّنْ ذُكرِّ ووُعِظَ بما لوَّح له من الآيات، وبما شاهده وعرفه من أمرٍ أُصْلِحَ أو شُغِل كُفِيَ أو دعاءٍ أُجِيب له، أو سوءِ أدبٍ حصل منه، فأُدِّبَ بما يكون تنبيهًا له، أو حصلت منه طاعة وكوفئ في العاجل إمَّا بمعنى وَجَدَه في قلبه من بَسْطٍ أو حلاوةٍ أو أُنْسِ، وإما بكفاية شُغْلٍ أو إصلاح أمرٍ... ثم إذا استقبله أمرٌ نَسِيَ ما عُومل به، أو أعرض عن تَذَكُّرِه، ونَسِيَ ما قَدَّمَتْ يداه من خيره وشرِّه، فوجدَ في الوقت موجبه... ومَنْ كانت هذه صِفَتُه جعل على قلبه سترًا وغفلة وقسوة حتى تنقطع عنه بركاتُ ما وُهِبهَ.
ويقال مَنْ أظلم من يستقبله أمرٌ مجازاةً لما أسلفه من تَرْكِ أَرَبِه فَيَتَّهِمُ رَبَّه، ويشكو مِما يلاقيه، وَيْنسَى حُرْمة الذي بسببه أصابه ما أصابه؟ وكما قيل:
وعاجزُ الرأيِ مِضياعٌ لِفُرصته ** حتى إذا فاتَ أمرٌ عَاتَبَ القَدَرَا

{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ}.
{الغَفُورُ} لأنه ذو الرحمة، ورحمته الأزلية أوجَبَتْ المغفرة لهم.
ويقال: {الغَفُورُ}: للعاصين من عباده، و{ذُو الرَّحْمَةِ} بجميعهم فَيُصلح أحوالَ كافتهم.
{لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا}: لعجَّل لهم العذابَ؛ أي عَامَلَهم بما استوجبوه من عصيانهم، فعجَّلَ لهم العقوبة، لكنه يؤخرها لمقتضى حكمته، ثم في العاقبة يفعل ما يفعل على قضية إرادته وحكمه.
{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}.
لمَّا لم يشكروا النِّعم ولم يصبروا في المحن عَجَّلنا لهم العقوبة.
ويقال لمَّا غَفَلُوا عن شهود التقدير، وحُرِمُوا رَوْح الرضا وَكَلْناهم إلى ظُلُماتِ تدبيرهم، فطاحوا في أودية غفلاتهم. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)}.
أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {فظنوا أنهم مواقعوها} قال: علموا. وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينصب الكافر يوم القيامة مقدار خمسين ألف سنة كما لم يعمل في الدنيا، وأن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة والله أعلم».
وأخرج البخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن علي رضي الله عنه: أن النبي- صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة ليلًا فقال: «ألا تصليان؟ فقلت: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا. وانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئًا، ثم سمعته بضرب فخذه ويقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا}».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن زيد في قوله: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا} قال: الجدل الخصومة، خصومة القوم لآنبيائهم، وردهم عليهم ما جاؤوا به، وكل شيء في القرآن من ذكر الجدل، فهو من ذلك الوجه، فيما يخاصمونهم من دينهم، يردون عليهم ما جاؤوا به، والله أعلم.
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)}.
أخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {إلا أن تأتيهم سنة الأوّلين} قال: عقوبة الأولين، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد أنه قرأ: {أو يأتيهم العذاب قبلًا} قال: قبائل، وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {أو يأتيهم العذاب قبلًا} قال: فجأة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة أنه قرأ: {أو يأتيهم العذاب قبلًا} أي عيانًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الأعمش في قوله: {قبلًا} قال: جهارًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي في قوله: {أو يأتيهم العذاب قبلًا} قال: مقابلهم فينظرون إليه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {ونسي ما قدمت يداه} أي نسي ما سلف من الذنوب الكثيرة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {بما كسبوا} يقول: بما علموا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي في قوله: {بل لهم موعد} قال: الموعد يوم القيامة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علي، عن ابن عباس في قوله: {لن يجدوا من دونه موئلًا} قال: ملجأ.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {لن يجدوا من دونه موئلًا} قال: مجوزًا. وفي قوله: {وجعلنا لمهلكهم موعدًا} قال: أجلًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن العباس بن عزوان أسنده في قوله: {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدًا} قال: قضى الله العقوبة حين عصي، ثم أخرها حتى جاء أجلها، ثم أرسلها. اهـ.